مقالات

د.تامر شوقى يكتب.. التسامح مع الآخر والذات.. محور الشعور بالسعادة

الرأي العام

الصراعات بين الأشخاص هى أحد الملامح الطبيعية للحياة الإنسانية، وقد تتضمن هذه الصراعات إلحاق الشخص المسىء أو المؤذى الأضرار الشديدة بالآخرين «الضحايا»، مما يثير مشاعر الاستياء والغضب لدى هؤلاء الضحايا، الذين يستجيبون لتلك الأضرار بطرق مختلفة، قد تغلب عليها الرغبة فى الانتقام من المؤذى، أو التسامح معه، كما يحتل التسامح مكانة خاصة فى الأديان السماوية المختلفة، حيث يُعدُّ إحدى الفضائل الإنسانية التى تلعب دورًا حاسمًا فى تماسك الأفراد والمجتمعات.

فما التسامح إذن؟ هو تخلى الفرد عن الأفكار، والانفعالات، والدوافع ذات الطبيعة السلبية، وعن رغبته فى الانتقام من الشخص المؤذى، واستبدال كل ذلك بمشاعر الحب، والجدارة بالثقة نحوه، وتغلبه على كل ما حدث من مشكلات، أو تجاوزات من المسىء.

ويعتقد الكثيرون أن التسامح يكون مع الآخر فقط، وهذا غير صحيح، لكنه يشمل أيضًا التسامح مع الذات، الذى يعتبر محورًا للشعور بالسعادة، أما عدم التسامح مع الذات فيجعل الفرد أكثر عرضة للتوتر، وعدم الرضا عن الحياة، والاعتلال النفسى.

وتظهر نتائج الدراسات النفسية أن الأفراد يستخدمون معايير مزدوجة عند الحكم على أنفسهم وعلى الآخرين، عندما تكون الأخطاء المرتكبة متماثلة؛ فعندما يحكمون على أنفسهم يستخدمون معايير أكثر قسوة، بينما يكونون أكثر تعاطفًا وتفهمًا عند الحكم على الآخرين، وقد يظهر هذا فى صورة ندم الفرد ولومه نفسه على بعض الأخطاء التى ارتكبها، سواء فى حق نفسه أو فى حق الآخرين. وقد يكون التسامح سمة عند الفرد يظهرها فى جميع المواقف والأوقات التى يواجه فيها الإيذاءات، كما قد يكون التسامح ظاهريًا نتيجة لبعض الضغوط التى تُمارس على الفرد «مثلما يحدث فى جلسات الصلح»، أو حقيقيًا، ويتضمن تغييرات داخلية إيجابية نحو مصدر الإساءة.

وهنا دعونا نوضح بعض المعايير والأمور التى يتوقف عندها الفرد للتسامح مع الآخر، أولها نظرة الفرد إلى التسامح فى حد ذاته، فهو لن يتسامح مع غيره، إذا اعتقد أن التسامح هو تبرير الخطأ للمسىء، بينما قد يتسامح عند تحميل المسىء المسئولية عن أذاه، أيضًا الالتزام الدينى، فإن الأفراد ذوى الالتزام الدينى القوى يعتبرون أكثر تسامحًا من أولئك ذوى الالتزام الدينى الضعيف، أيضًا نمط الشخصية يشكل معيارًا أساسيًا، فإن الأفراد ذوى الميول النرجسية أو العدوانية هم أقل تسامحًا، وتشكل الخصائص النوعية للإساءة أو الإيذاء، عاملًا، فيتسامح الأفراد بسهولة أكثر مع الإيذاءات التى تحدث مرة واحدة من فرد معين؛ مقارنة بما يرتكبه نفس الفرد من إيذاءات متكررة، ومع الإيذاءات الأقل خطورة مقارنة بالأكثر خطورة، ومع الإيذاءات العرضية التى تحدث بشكل غير مقصود مقارنة بتلك التى تحدث بشكل مقصود، كما يتسامح الأفراد أكثر فى المواقف التى يقدم فيها المسىء الاعتذار، ويتحمل فيها المسئولية عن إحداث الضرر، ويظهر فيها الندم، ومحاولته إصلاح ما ارتكبه من أخطاء مقارنة بعدم اعتذاره، أو اعتذاره بمجرد كلمات فقط مثل «أنا آسف».